بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي أراد بنا اليسر، وجعل رمضان شهر الصبر، واختار منه ليالي العشر، وفضلها بليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الأمر، ضاعف الأجر وغفر الوزر.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الإمام البدر، رفيع القدر، ومحفوظ العمر صلى الله عليه وسلم كلما اغتنمت الفضائل وحوربت الرزائل.
أما بعد:
فيا ايها المسلمون اتقوا الله الذي أمركم بالسبق إلى الخيرات، والمداومة على الطاعات، والتوبة من السيئات والسعي لرفع الدرجات وكرمكم على المخلوقات، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]
وقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]
وقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]
فاغتنموا الحياة قبل الموت، والعمل قبل الفوت، واربحوا الدنيا قبل الآخرة، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم واعلموا أن الربح في الإيمان وفي العمل الصالح، وفي التواصي بالحق والتواصي بالصبر، يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3]
والرابحون هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب، وهم الذين طهروا القلوب، وستروا العيوب، وابتعدوا عن الذنوب، وهم الذين حفظوا أعمارهم، وحفظوا أعمالهم، وحفظوا جوارحهم وأحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم.
وهم الذين عرفوا الأوقات الشريفة فاغتنموها، وإن من الأوقات الشريفة التي ينبغي ربحها، وحفظ أوقاتها وعمارة زمنها أيام العشر الأخيرة من رمضان، فهي خيار من خيار، وهي ميدان لتسابق الأخيار، وفيها يتميز الأبرار من الأشرار، والمتقون من الفجار، وهي عشر لها في الإسلام مكانة، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مزيَّة، فمن مزاياها أنها عشر المساجد إذ تلازم فيها المساجد، وتعمر بالطاعة ويتحقق منها الرباط المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات»، قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط» [رواه مسلم].
وبالتعلق بها يظل الإنسان في ظل الله يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، وذكر منهم: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» [رواه البخاري ومسلم].
والمساجد بيوت الله، وأكرم بها من بيوت، يقول صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].
وأحب البقاع إلى الله المساجد، لأن فيها أحب العمل، وأحب القول، وأحب الزمن وأحب الخلق.
يقول صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» [رواه مسلم]، وأهل المساجد هم أهل الإيمان يقول الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 81]، وهم أهل العمل الصالح، يقول تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36-37]
وهم أهل النور التام يوم القيامة، لأن الله تعالى ذكرها بعد آية النور في سورة النور، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [صححه الألباني].
والمساجد هي أماكن الذكر والقرآن والاستغفار والصلاة والدعوة والتعليم، فهي محاضن الخير والأخيار، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة» [الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2268- خلاصة الدرجة: صحيح].
وقد يخسر بعض الناس هذه العشر:
فمن الناس من يجعلها عشر الأسواق طلباً في الدنيا، ونسي أن الدنيا متاع الغرور، وأنها ملعونة ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فيكون همه المال وكسبه وليس همه الثواب والأجر.
ومن الناس من يجعلها عشر الضياع أو يضيعها في السفريات والتنزهات، فيكون همه بدنه وليس همه روحه.
ومن الناس من يجعلها عشر المعاصي بالعاكسات، وتتبع النساء في الطرقات والمشاهدات على الشاشات فيكون همه شهوته وانحرافه، وليس همه طاعته واستقامته.
وهذه العشر هي عشر نزول القرآن، يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]
ويقول صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» [الراوي: واثلة بن الأسقع المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 1/202- خلاصة الدرجة: فيه عمران بن داود القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وقال أحمد أرجو أن يكون صالح الحديث وبقية رجاله ثقات].
ونزول القرآن فيها يدل على عظمتها، لأن القرآن عظيم، ويدل على بركتها، لأن القرآن مبارك، ويدل على أنه ينبغي إشغالها بالقرآن إذ هو أربح كلام، الحرف الواحد بعشر حسنات، قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» [الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: أصل صفة الصلاة - الصفحة أو الرقم: 1/368- خلاصة الدرجة: على شرط مسلم].
وهو أحسن الحديث قال تعالى: {اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23]
وأهله هم أهل الله وخاصته، وخير الناس من تعلم القرآن وعلمه، وقد كان السلف يشغلون العشر بالقرآن، فمنهم من يختمه فيها عشرين مرة، ومنهم من يختمه فيها عشر مرات، ومنهم من يختمه فيها خمس مرات، والقليل من يختمه في أقل من ذلك.
وهذه العشر هي عشر ظهور الحق وزهوق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فيها دخل المسلمون مكة فاتحين، ومنها أظهر الله دين الإسلام على جميع الأديان ولو كره الكافرون.
ومنها أذل الله الكفر وأهله وفيها تطهرت الكعبة من الأصنام التي كانت في وسطها، ومن جميع جوانبها، فقد أخرج صنم هُبل من وسطها إلى غير رجعة، وأزيل ثلاثمائة صنم من حولها، وبقيت للتوحيد، ورفع الأذان من على ظهرها لتنتكس جميع الأوثان، ويعلو أهل الإيمان ويخسأ أهل العصيان.
وهذه العشر هي أفضل رمضان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في بقية رمضان، وتخصيصها يدل على فضلها، وهي آخر الشهر والأعمال بالخواتيم، وهي ثلثه الأخير، وقد فضل الله الثلث الأخير في عدة أزمان، ففضل الثلث الأخير من النهار إذ فيه صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، ومن صلاها مع الفجر دخل الجنة، ومن تركها حبط عمله، وفيها تجتمع ملائكة العبد الذين يحفظون عمله ويحفظون بدنه، وأمرالله بالذكر بعدها فقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]
وفضل الثلث الأخير من الليل إذ فيه ينزل الرب تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، فيقول: «هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر» [الراوي: جبير بن مطعم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 8167- خلاصة الدرجة: صحيح].
وفضل الثلث الأخير من الأسبوع إذ فيه الخميس الذي كان يصومه صلى الله عليه وسلم ويسافر فيه، وفيه تعرض أعمال العبد على الرب تعالى، وفيه الجمعة الذي هو سيد الأيام، وهو خيريوم طلعت عليه الشمس.
فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وهو يوم السبق إلى الخيرات ويوم القربان.
وفضل الثلث الأخير من العام إذ فيه رمضان الذي صيامه الركن الرابع من أركان الإسلام، وفيه أشهر الحج.
وهذه العشر هي عشر ليلة القدر، وليلة القدر هي أفضل الليالي على الإطلاق، وسماها الله الليلة المباركة فقال: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]
وسماها ليلة القدر، لأن لها قدراً قال تعالى: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]
وللعمل فيها قدرٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
وللعامل فيها قدرٌ إذ يغفر الله ما تقدم من ذنبه، وللثواب فيها قدرٌ إذ العمل فيها خير من العمل في ألف شهر قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]
ومما يدل على فضلها أن الله سمى بها سورة في القرآن، وتردد ذكرها في سورتها ثلاث مرات، وعظمها بالاستفهام الذي يفيد التعظيم، قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }.
وأذن للملائكة بالنزول فيها إلى الأرض وهم عباد مكرمون لا ينزلون إلا إلى طاعة، فهم ينزلون لمجالسن الذكر ولحفظ العمل وحفظ البدن وللصلاة وللجهاد ونحوها، وفيها ينزل جبريل الأمين عليه السلام، ونزوله يذكرنا بنزوله الأول في حراء وتردده بالقرآن في ثلاث وعشرين سنة، وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وليلة القدر سلامٌ من العذاب، وسلامٌ من الآفات، وسلامٌ من الشيطان، وليلة القدر من رمضان وهي في العشر الأواخر يقول صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
وهي في أوتار العشر تأكيد للحديث السابق، والأولى التماسها في كافة العشر، لأنها قد تكون في الأشفاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى» [رواه البخاري].
وهذه أشفاع لو كان الشهر ثلاثين يوماً، وأوتار لو كان تسعة وعشرين، والصحيح أن وقتها لا يعلم وأن الله أخفاها ليتنافس الناس في كافة العشر ويتسابقون ويجتهدون فيكثر أجرهم، ويغفر وزرهم.
وقد خرج صلى الله عليه وسلم يخبر الصحابة بليلة القدر فتخاصم وتنازع رجلان فرفعت والمطلوب لها العمل وليس المطلوب لها الرؤية، ولها علامات تعرف بها، منها أنها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، ومنها أنها ليلة بلجة، أي مضيئة، كأن القمر فيها ليلة البدر، ومنها أن الشمس تخرج من صبحتها ليس لها شعاع، ومنها أنه لا يرمى فيها بنجم.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الاجتهاد فيها بشتى أنواع الطاعات قالت عائشة: «كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها» [الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4910- خلاصة الدرجة: صحيح].
وهذه مزيَّة لها ينبغي الاقتداء به عملاً بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
وقوله صلى الله عليه وسلم:«كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى».
قالوا: "يا رسول الله، ومن يأبى؟"
قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» [الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 7280- خلاصة الدرجة: [صحيح]].
ومن اجتهاده في العشر أنه كان يحيي الليل كله بالتهجد والقرآن والذكر والدعاء والاستغفار وهذا يدل على أنه كان يتفرغ للعبادة ويشتغل بها، ويعمل للآخرة ويعرض عن الدنيا.
ومن اجتهاده أنه كان يعتزل النساء ويشد مئزره ويجد في الطاعة، ولذا ينبغي أن يحفظ الليل في العشر الأواخر بكثرة التهجد وطول القيام، والركوع والسجود والقراءة والدعاء، فإن هذا دأب الصالحين قبلنا، ومرضاة لربنا ومغفرة لذنوبنا، ومطردة لداء الجسد.
وقد مدح الله أهل القيام فقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الزمر: 9]
ويقول تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16-17]
ومدح الله أهل الجنة بقيام الليل فقال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15-18]
وقد واظب صلى الله عليه وسلم على قيام الليل وداوم عليه، فصلى قائماً وصلى قاعداً، وكان إذا فاته قيام الليل بالليل صلى شفعاً بالنهار.
وقالت عائشة رضي الله عنها لرجل: "لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً".
وقالت:"إن قوماً يقولون لا نؤدي إلا الفرائض وإن الله لا يسألهم إلا عما افترض عليهم، ولكنهم قوم يخطئون بالليل والنهار وما أنتم إلا من نبيكم، وما نبيكم إلا منكم، ووالله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل".
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر إيقاظ أهله للصلاة عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]
ومن المعلوم أن الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، يقول صلى الله عليه وسلم: «والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
وقد كان صلى الله عليه وسلم يوقظ نساءه، ويوقظ علياً وفاطمة، وكان عمر يوقظ أهله، وفي الحديث يقول: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء» [الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1450- خلاصة الدرجة: حسن صحيح].
تقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد مئزره» [رواه مسلم].
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله وترك الأموال والأولاد والدنيا والتفرغ للطاعة.
وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأول ثم العشر الوسطى ثم العشر الأخيرة، وواظب على الاعتكاف ابتغاء رضوان الله تعالى، والاقتداء بالسنة، ومجاهدة النفس، والصبر على الطاعة، ومحبة المساجد، وتربية النفس على الحسنات، والبعد عن السيئات وسلامة القلب من سمومه، إذ يقل الكلام والنظر والسمع والصحبة والأكل والنوم، وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم الأقصى، ثم الجوامع التي تقام فيها الخطبة، ثم المساجد الأخرى، ويقبل المعتكف على الآخرة ويعرض عن الدنيا ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة ماسة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فضيلة الشيخ
سعد بن سعيد الحجري